‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتب. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 20 أكتوبر 2011

اللاهوت العربي وأصول العنف الديني

في هذا الكتاب يتتبع يوسف زيدان أهم الأفكار التي شكلت تصور اليهود والمسيحيين والمسلمين لعلاقة الإنسان بالخالق .ومن ثم كيف توجه علم الكلام الإسلامي إلى رؤى لاهوتية يصعب الفصل بين مراحلها..ويتتبع الكتاب تطور الأفكار اللاهوتيه على الصعيدين المسيحي والإسلامي وذلك بغرض إدراك الروابط الخفيه بين المراحل التاريخيه التقليديه المسماة بالتاريخ اليهودي ...وصولا لفهم أشمل لارتباط الدين بالسياسه وبالعنف الذي لم ولن تخلو منه هذه الثقافه الواحده مادامت تعيش في جزر منعزله
يوسف زيدان روائي وباحث متخصص في التراث والمخطوطات قاربت مؤلفاته الستين كتابا وتجاوزت أبحاثه العلميه الثمانين بحثا في الفكر الإسلامي والتصوف والفلسفه وتاريخ العلم ..حصل على الجائزه العالميه للراويه العربيه عن روايه عزازيل...
                              جذور الإشكال. .الله والأنبياء في التوراه
اليهودية المبكرة جعلت الله تعالى ملتصقا بالأرض لا السماء فهو ينزل إلى الخيمه فيصير قريبا من الإنسان ويشاركه وقائع حياته مع أن الله بداهه ينتمي الى السماء لا الأرض وإلا لما صار معبودا للإنسان
وقدمت الديانه المسيحيه حلا لهذه المشكله بأن أكدت وجود الله مع الإنسان في الأرض لتتوافق بذلك أولا مع اليهوديه ثم رفعته ثانيه الى السماء حيث الموضع الذي يليق به وكان المسيح هو صيغة الخلاص من مشكلة اندماج الله مع الإنسان
والصورة التوارتيه للأباء الأوائل والأنبياء ورجال الله مفزعه فهم في القصص التوراتي على الرغم من أنهم الأخيار المختارون .لا يتورعون عن الأتيان بأفعال مهولة مثل معصيه الخالق (آدم)السكر والزنا بالمحارم(لوط)السرقه ونهب الجيران(موسى)..ناهيك عن تبجح القتله وحمايه الله لهم حسبما ورد في حكايه قايين(قابيل)ولامك.فالأول منهما قتل أخاه هابيل وتبجح حين سأله الله عن أخيه المقتول .ثم أعطاه الله وعدا بأن من يقتله سيقتل الله منه سبعه والآخر ..الذي اسمه في التوراه لامك قتل رجلا فحماه الله وتوعد من يقتله بأن يقتل منه سبعه وسبعين إنسانا في مقابل إنسان يهودي واحد..وقد رفع اليهود المعاصرون هذه النسبه الغير متناسبه فصاروا إذا قتل العرب منهم واحدا يقتلون منهم مائه شخص وأكثر.
                                     الحل المسيحي
 يشرح الكاتب دور التعبيرات المجازيه الوارده في الأناجيل الأربعه المقبوله لدى المسيحيين في   الجدل والإختلاف اللذين نشبا بين الكنائس:حول جوهر المسيح وحقيقته وحول ماهيته وطبيعته ,وحول بشريته وألوهيته (الناسوت واللاهوت)..ففي البدء إنتشرت أناجيل كثيره صار بعضها مشهورا حينا من الدهر ثم انطمس مثل إنجيل المصريين (ذي النسختين القبطيه واليونانيه)واناجيل الطفوله وإنجيل العذراء وكان بعضها منسوبا الى تلاميذ المسيح ،لكنه كان يثير قلق الكنائس الكبرى،مثل إنجيل توما الذي تم إكتشافه مؤخرا في منتصف القرن العشرين في مصر.والإنجيل الغنوصي المسوب الى يهوذا (الإسخريوطي)الذي خان المسيح وأبلغ عنه أو هو الذي أطاع المسيح الذي أمره بأن يدل الرومان عليه ليقتلوه كي تكتمل الدائره ويعود (الأبن)الى(الآب)ويصعد الرب الى السماء
وكانت هناك أيضا أناجيل كثيره ترسم للمسيح صورة فلسفيه باعتباره وجودا خاصا أو حاله فريده لكائن متأله ..يمكن عن طريق اتباعه الوصول الى الحقائق العليا بالتجرد عن ملذات الحياة والحسيات ..
وكان من المنطقي أن يتنبه رجال الكنيسه الى خطورة الأناجيل الكثيرة المشوشه على قانون الإيمان القويم الأرثوذكسي فتشكلت لجنه دينيه دنيويه مهمتها التفتيش عن وإعدام الأناجيل الكثيره الأخرى وهكذا بقيت الأناجيل الأربعه المشهورة،متى،لوقا،مرقس،يوحنا...وهي الأناجيل التي حفظت وتم تداولها على نطاق واسع مع الرسائل المسماه أعمال الرسل فكان من ذلك ما سوف يعرف بالعهد الجديد تمييزا له،ودلاله على استكماله العهد القديم المشتمل على أسفار التوراه الخمسه وأسفار أنبياء اليهود الكبار والصغار فيكون مجموع ذلك كله ما نعرفه اليوم باسم:الكتاب المقدس....
صار المسيح هو الديانه ذاتها فمن أسمه أشتق أسمها ،ومن مولده يبدأ كتابها (الأنجيل)ومن الإقرار بألوهيته يستهل قانون إيمانها الأول ..وشيئا فشيئا أصبح المسيح معادلا موضوعيا لله ثم غدا مع اجتهادات الآباء الأوائل (الأرثوذكس)هو الله الذي غاب وناب عنه المسيح
ولأن كل ماهو الهي (ثيولوجي)قد أمسى متعلقا بالمسيح أي صار(كريستولوجيا)فإن المشكله الكبرى في اليهوديه (صفات الله)لم تعد مطروحه للنظر وانما صار الإيمان القويم إيمانا بالمسيح الذي هو الله،وصار التشكيك في ألوهيته التامه يعني الكفر بعينه أو بحسب الإصطلاح المسيحي هرطقه...

                        النبوة والبنوة فهم الديانه شرقا وغربا
يوضح الكاتب بعد ذلك كيف كانت الديانات الغابرة الموسومه بالوثنيه ،التي عاشت آلاف السنين في مصر واليونان تسمح بالتعدديه .ولم تزعم ديانه منها،أنها الديانه الوحيده الحقه وكانت هذه الديانات تجيز التمازج أحيانا بين الربوبيه والبشريه(اللاهوت والناسوت)،أو هي بالأحرى لا ترى بأسا في تأليه الإنسان وتأنيس الآله.
وإذا كانت فلسطين مهد الديانه المسيحيه ،فإن مصر كانت بمثابة المهاد والتمهيد والوهاد لأنتشار هذه الديانه الجديده بناء على الفهم المصري القديم لعالم الآلهه ذي الأبعاد الثلاثيه (ثالوث :إيزيس حورس أوزيريس)وإمكان تمازج البشر بالآلهه (الفرعون ابن الآله)وأن للحياة مفتاحا (عنخ،الصليب)وجواز القيام من الموت وانتظار الحساب والإنجاب دون نكاح حسي(إيزيس تحبل من زوجها الميت)..وغير ذلك من وجوة المماثله بين العقيده المصريه القديمه والفهم المصري القبطي للديانه المسيحيه ..
وقريب مما سبق مانجده في الديانه اليونانيه القديمه التي قصت الإلياذه والأوديسه حكاياتها الملحميه الجامعه بين البشر والآلهه ..
بينما كانت الديانات السابقه على المسيحيه في منطقة الجزيرة العربيه والهلال الخصيب ،تعلي من مرتبه الآلهه وتتصورهم مفارقين تماما لعالم البشر .ومع أن الناس هناك صوروهم أحيانا على هيئه بشريه في (الأوثان)أو هيئه مجرده في (الأصنام)إلا انهم بشكل عام أعتقدوا بوجود مسافه شاسعه بين الله والإنسان
ولأن الفهم الأخير هو القويم فقد صار المخالف له ،هرطوقيا.
لا مناص من الإعتراف بأن الجماعات العربيه والعبريه كانت تعني بالنبوة والأنبياء .لذلك نجد لفظ (نبي،نبو)مشتركا بين اللغتين العربيه والعبريه . يضيف الكاتب أنه  في أغلب الظن فكرة النبوة في أساسها عبرانيه الروح والمنشأ.
                         جدل القرطقة والأرثوذكسية
في مقابل الإيمان المسيحي القويم(الأرثوذكسي)الذي إزدهر عبر التاريخ الكنسي المديد في الأسكندريه ومصر واليونان والحواف المتوسطيه ،شهد قلب الشام الكبير والعراق هرطقات متواليه التوالد يصعب تحديد زمن ظهورها الأول إذ يكاد الإيمان الأرثوذكسي والهرطقه كلاهما يتزامنان دوما ،وهو ماحدث بفعل العمليات الجداليه التي طالما إحتدمت بين الكنائس
كان العراق والجزيرة بلاد الهراطقه الذين نظروا لأنفسهم على أنهم اهل الإيمان الصحيح ،وان مخالفيهم هم الذين ظلوا وهرطقوا حين زعموا أن الله ثالث ثلاثه وأن الله(تعالى)هو المسيح عيسى ابن مريم .اما مصر والحبشه واطراف اليمن فقد بقيت على ايمانها الأرثوذكسي (القبطي)المختلف مع وعن بقيه الأرثوذكس وعند ظهور الإسلام كانت هناك جغرافيا أربع كنائس أرثوذكسيه متنازعه الإعتقاد هي بحسب ترتيبها في هذا الزمان.
كنيسة الروم الأرثوذكس
كنيسه الأرثوذكس الملكانيين
كنيسة الأرثوذكس السريان
كنيسه الأرثوذكس الأقباط.
                            الحل القرآني
يوضح الكاتب كيف قدم الإسلام نفسه من خلال النص القرآني باعتباره الحق الذي(لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه)وذلك لأنه ببساطه شديده هو اليقين الموحى من رب العالمين لا الإجتهاد الذي أدى إليه فكر المتفكرين وقد قدم القرآن باعتباره لاهوتا عربيا حقيقيا أو التجلي الأخير لهذا اللاهوت حلولا محدده لكل ما كان اليهود والنصارى يختلفون فيه من مشكلات عقائديه.وقد قدم القرآن حلوله بأن أعاد بناء التصورات الأساسيه للألوهيه والنبوه وهو ما ورد في آي القرآن على نحو قصصي آسر في بلاغته.
حين فتحت البلاد المحيطه بجزيرة العرب،حيث ولدت وعاشت المذاهب (الهرطوقية)وحيث ظلت تتوالد المخترعات العقائديه الجديدة ،كالمونوثيلية، انتقل القرآن من محله الأول(اللغه العربيه)مع محله الثاني(المسلمين)إلى المحل الثالث،الذي هو الجماعات الإنسانيه غير العربيه وغير الإسلاميه .سواء من ذوي الثقافه العربيه كالأنباط وأهل الممالك القديمه في الهلال الخصيب أم من ذوي الأصول غير العربيه كالمصريين والفرس واليونان ..ولما استقر الإسلام في منطقة الهلال الخصيب .شهدت هذه المنطقه ذاتها ,تحولات كبرى,امتدت خلالها الأفكار والرؤى فعلى الأرض ذاتها ,وفي أهلها أنفسهم حيث شهدنا نشأة وتطور اللاهوت (العربي)المسيحي ،كانت نشأة وتطور علم الكلام (العربي)الإسلامي..كانت (العربي)الأولى نمط تفكير ،وكانت الثانيه نمط تفكير ولغة أزاحت السريانية واليونانية ،فنطق الهلال الخصيب بالعربيه.
                            كلام الإسلام الوصلة الشامية العراقية
في القرن الثاني الهجري صار لعلم الكلام اسم مشتق من ان القرآن كلام الله وان المشتغلين بهذا العلم هم المهتمون بمفهوم النص القرآني ،اذا هم المتكلمون في العقيده،بناء على ما ورد في القرآن،المدافعون عن التوحيد واصول العقيده ضد الإنحرافات..
هناك أسباب محدده أدت إلى شهرة فرقتي المعتزله والأشاعرة ،منها اشتهار المذهب وانتشاره وارتباطه بالسياسه وكثرة المشتغلين بالاعتزال والأشعرية،حتى انهم صاروا طبقات أي أجيالا متتاليه من مشاهير المعتزله..
يجب ألا نستغرب تسميه أباء علم الكلام بالمعطله أي منكري الصفات الآلهيه لأن صفات الله كانت تشكل جذور المشكله التي ظهرت اولا مع اليهوديه ،ثم توسعت المذاهب المسيحيه في مناقشتها ،بعد تحويلها إلى اشكاليه كريستولوجيه لا ثيولوجيه. ثم جاء المسلمون العرب ،امتدادا للمسيحيين العرب،الذين كانوا قد سبقوهم في الإنهماك بتفاصيل تلك القضيه.
ومن هذه الزاويه أيضا نفهم الصلة الخفية بين اصرار الهراطقه على نفي المماثله بين الله والكلمه،وتأكيدهم على ان اللوجوس مخلوق,واصرار المتكلمين على نفي صفه الكلام عن الذات الإلهيه،وتأكيدهم ان القرآن مخلوق كان اولئك وهؤلاء،يقررون في واقع الأمر،ان الله(تعالى)هو وحده المتفرد بالقدم،وما سواه حادث ..فالعالم والمخلوقات والإنسان والكلمه والقرآن والمسيح ابن مريم،كلها محدثات ولا متعالي عن الحدوث الا الله.
                اللاهوت والملكوت. أطر التدين ودوائره
يوضح الكاتب أن الجوهر في اليهوديه والمسيحيه والإسلام واحد.وان عمق النسق الديني الرسالي(الإبراهيمي)يمتاز بسمات عامه وبنيات نظريه أساسيه:إقرار بألوهية المتعالي،إيمان بأنه تعالى القاهر فوق عبادة،وأن نائبه في الأرض مؤيد منه،فهو لا محاله منصور ..ثم يأتي من بعده الأطر النظريه، أحكام عمليه مثل:حكم بالضلال والكفر على المحيط الاجتماعي العام،انبثاق جماعه ايمانيه تجاهر بعقيدتها المخالفه للعقائد السائده،اضطهاد محدود للجماعه المنبثقه،المحدثه،من جهه المجتمع القديم(مجتمع الكفرة الضالين)إعلاء متوهم للذات (المؤمنه)الواقعه تحت الإضطهاد،الهجرة والفرار والنقله الجغرافيه،بناء مجتمع جديد مستقل على هيئة دوله،تتغذى على ايمانها وكراهيتها للمحيط الاجتماعي الذي انبثقت منه الجماعه المؤمنه.
                جدلية العلاقه بين الدين والعنف والسياسه
يبدأ العنف في الدخول كطرف ثالث في جدليه (الدين،السياسه)وهو يبدأ غالبا بمبادرات من الطرف المستقر المهدد النظام السياسي فيقابلها الرعيل الأول من المؤمنين بالدين الجديد باستبسال يدعو للإعجاب.وبازاحه تامه للمطالب الدنيويه (الفانيه)تعلقا بالأبقى الله،الجنه..وهي مواجهه دينيه اوليه للعنف الآتي من جهه النظام السياسي بوسائل مختلفه تعلى خطابه وتعبر عن رسائله المباشرة السطحيه في اليهوديه احتمل اتباع موسى أذى فرعون وكان الخروج وسيلتهم لمقاومه العنف
وفي المسيحيه التي هي خروج عن اليهوديه يرتضي السيد المسيح بأن يدع ما لقيصر لقيصر ومالله لله بل ويستسلم فيصلب بحسب العقيده المسيحيه ..أو يرتفع للسماء حسب العقيدة الإسلاميه.
وفي الإسلام يحتمل المسلمين الأوائل تعذيب الكفار ثم الخروج المتمثل في التجاء النبي إلى الطائف والهجرة المبكرة للمسلمين الى الحبشه ثم الهجرة النبويه الى المدينه
وبعد إقتناع السلطه الزائف أن الدين هرب من المواجهه بينما يتنامى حجم الدين في الأرض التي تم الخروج اليها وينتظم شأنه انتظاما داخليا على نحو جديد ومختلف عن النظام السياسي القائم في مركز الجماعه وبعد حين يعود الدين قويا ليقتلع اتباعه بحزم تلك السلطه السياسيه القديمه التي كانت جذورها من قبل قد بدت مستقره
وفي النهايه يوضح الكاتب أنه لا يمكن للعالم أن يواجه عمليات العنف الديني إلا بتعاون دائم ومستمر بين دول العالم لأن طرفا دوليا واحدا ،لن يمكنه بأي حال التعامل الرشيد مع ظاهرة عابره للحدود وخارجه عن تراثه وبنيته الإجتماعيه وحدود فهمه،ظاهرة متعددة الأوجه والمداخل والفعاليات ،ظاهرة يقتضي حلها الكثير من الفهم والأستبصار والضبط المتوازن.
                                                         شيماء أحمد



 نشر في مجلة الثقافه الجديدة

الأحد، 3 أكتوبر 2010

الفن والغرابة . .مقدمة في تجليات الغريب في الفن والحياة

الغرابه أو الوحشة شعور غير مكتمل يوجد في تلك الفجوة الموجوده بين الإدراك والمعرفة وهو شعور مثير للإهتمام لأنه إيحائي إيمائي في تكوينه للخبرات التي يتم الوصول إليها أو تشكيلها جماليا ,شعور قد يكون موجود وقابلا لأن يتم تشكيله وإسقاطة بواسطة الخيال وليس فكرة يتم تشكيلها على نحو مناسب داخل العقل ومن ثم فإن الإحساس بالغرابه إنما يشير إلى ضرورة وجود إستثارة أكثر للخيال النشط ,كي يمنحنا ذلك الخيال إحساس بوجود شئ ما هناك ويساعدنا كذلك في تشكيل ما يسكن في الداخل (هناك)داخل تلك الحاله الشبحيه التي قد تجسد ذلك الإحساس الذي يمنحنا الخيال بوجود شئ ما هناك داخل المعرفة  ,هكذا يوجد هذا الشئ الشبحي وراء المشاعر .ووراء اللوحات ,والأفلام والمشاهد والصور وربما وراء الحياة نفسها في شكل رغبات وصراعات وأمنيات
ومن هنا تأتي أهميه كتاب الفن والغرابة للدكتور شاكر عبد الحميد والذي يعد من أهم الدراسات التي أجريت مؤخرا في مجال الدراسات الجماليه  والصادر عن عن دار ميريت للنشر ..
                                                 حول معنى الغرابة
في البدايه يتحدث د.شاكر عن أهمية مصطلح الغرابه في التفكير والنقاش المعاصر الدائر عبر العديد من الحقول المعرفيه التي تشتمل على الفلسفة والأدب والإجتماع والدراسات السينمائيه والعمارة والتحليل النفسي ويعود الكثير من الأهميه المنسوبه لهذا المصطلح إلى دراسه فرويد المبكره عام 1919 تلك التي حدد فيها طبيعته فقال انه يتعلق بتلك المشاعر الخاصة  تجاة شئ لا يكون ببساطه فقط غامضا على نحو غير عادي ولكنه يكون وعلى نحو أكثر تحديدا  مألوفا على نحو غريب ....
هكذا قد تنبغ غرابة شئ من الألفه الشديده بعد أن تم كبته ثم عاود الظهور في اللا وعي الفردي أوالجمعي
ورصد الكاتب وجود الغرابه بأشكالها المختلفه في الكثير من الأعمال الأدبية
ثم طرح المفاهيم الشقيقه للغرابه حيث فرق بين الغربه في جوهرها غربه عن المكان أو حتى غربه في المكان كما كان الحال لدى أبي حيان التوحيدي وبين الإغتراب كحاله من الشعور بأن المرء نفسه غريب حتى عن ذاته أما التغريب فهو حيله فنيه تميل من خلالها الى نزع الألفه عن المألوف ..
                                        نظريات الغرابه
في الفصل الثاني من الكتاب يشرح د.شاكر كيف أن الجذور الحقيقيه لمفهوم الغرابه توجد في قلب المفهوم الفلسفي الخاص بالجليل .كما أشار بيرك -على المستوى الفسيولوجي -أن الأحساسيس المرتبطه بالجليل على أنها أشبه بالألم السلبي ,الذي يمكن أن نسميه المتعه الخاصه بالجليل والتي تتميز عن المتعه الإيجابيه الخاصة بالجميل وذلك لأن متعه الجميل تتطلب الأقتراب منه بينما متعه الجليل تتطلب الأبتعاد عنه لمسافه معينه وتأمله ومن خلال ذلك نتفادى الألم والرعب الذي قد يحدث لو إقتربنا كثيرا
حتى القرن الثامن عشر كان الجليل متعلق بالفن أكثر من تعلقه بالطبيعه ,وخلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر حققت العمارة القوطية نجاحا غير مسبوق ,مقارنه بعمارة النسب والتناسب الكلاسكية الجديدة وقد اتسمت العمارة القوطيه بالولع بغير المتناسب الطويل والمدبب والذي لا شكل محدد له كما أظهرت ولعا بالخرائب المدمرة والبقابا والمباني المدمرة القديمة
                                               صخرة كانط
فرق كانط بين الجليل والجميل فقد نظر الى المتعه الخاصة بالجميل على انها لعب حر مشترك ما بين الخيال والعقل ,اما فيما يتعلق بالجليل فقد ميز كانط كما فعل بالنسبه للخيال بين نوعين من الجليل :الرياضي والدينامي .
احد العناصر الرئيسيه في فكرة الجليل لدى كانط ما يتعلق بفعل او نشاط الإحلال أو الإبدال ما اطلق عليه كانط الأخفاءللحقائق أو تحريفها فخلال هذه العمليه تحاول الذات أن تستبدل اللا موضوع المرتبط بالإنفعال إنفعال الرهبه والخوغ وتحل محله شيئا قابل للأمساك به أو فهمه أو تمثيله في العالم الخارجي
                                        شيللر والخوف الممتع
عام 1792 كتب فردريك فون شيللر "حول الفن الدرامي"يقول:هناك ظاهرة عامه خاصة بطبيعتنا الإنسانيه وتتمثل في أن الأشياء الحزينه أو المقلقه بل وحتى المرعبه يكون لها جاذبيتها التي لا تقاوم بالنسبه لنا
                                              حول الفن والغرابة
في الفصل الثالث تحدث عن الفن واستكشاف الغرابه ,بالنسبه للفنانين الطليعيين قدمت الغرابه أداه لنزع الألفه عن المألوف ,وقد أستكشف  الفنانون والكتاب التعبيريون أمثال كيوبن وكافكا وغيرهم الشروط الخاصه بالغريب الحديث فاتجهوا نحو الأهتمام بموضوعات مثل القرين والأوتوماتا واختلال الشعور بالواقع وقدموها كأعراض للوجود والحياة ,وكذلك اهتم الرمزيون والمستقبليون والدادائيون والسيرياليون والميتافيزيقيون وغيرهم بالغرابه كحاله تقع بين الحلم واليقظه وبهذه الطريقه تجدد الأهتمام بالغريب بوصفه فئه فنيه جماليه ,فئه يعاد التفكير فيها وادراكها الآن على انها العلامه الفارقه الداله على الميل الخاص للحداثه الى احداث الصدمه والأضطراب
وهكذا فإن الظل والقرين والأشباح والوحوش والفنون ليست إلا صور ا محاكيه ثانويه قام الإنسان بالتجسيد من خلالها عبر تاريخه الخوف من الذات ومن الآخر ,من المكان,من المجهول والغريب ..
                                                       الغرابه والمكان
في الفصل الرابع طرح فكرة المكان من خلال التفرقه بين أنواع المكان والوظيفه الرمزيه للمكان التي ترتبط بالوظيفه الجغرافيه ,الوظيفه التعبيريه التي تتعلق بإختيار المرءللمكان وتعبيرة ووصفه للأماكن ,وتعبيره عن القيم التي تؤمن بها هذه الجماعه....,كما تحدث عن المكان وأزمنه الهويه....
نتيجه لربط فرويد بين الغرابه والبيت وكذلك الرغبه المستحيله لدى البعض في العوده الى الرحم,الى الأرض,فإنه قد تم ايضا الربط بين هذا المفهوم وعمليات الحنين الى الوطن (النوستالجيا)أو الماضي او الموت ....
ثم تحدث عن العماره القوطيه (عمارة الخوف) التي تطلق على  هذا النمط الغريب من العماره أبرز الخصائص المميزه للعمارة القوطيه فهي الأقواس والقباب المدببه أو الحاده المسننه والعقود والسراديب المضلعه والدعامات أو الأكتاف المقنطرة
أما العمارة الترقيعيه حيث البناء العشوائي أشبه بجراحه ترقيعيه ممتده ومستمرة في تلك الأحياء العشوائيه الصغيره الحديثه التي قامت حول المدن الكبيرة وقد خرجت من تلك الأحياء كل أنواع السلوك  الغريب و العشوائي
ومن تجليات الغرابه في العمارة ايضا العماره التفكيكيه وهي من العماره التي تدعو لهدم الأسس الهندسيه التقليديه وتفكيك المنشآت الى اجزاء واعادة النظر في العلاقات الإنسانيه والعمرانيه 
والهدم هنا كما يرى تشومي هدم إيجابي بقصد إعادة البناء....
                                                    الغرابه التكنولجيه
يستعين الكاتب في بدايه هذا الفصل بربط تيري كاسل بين الغرابه والتكنولجيا :كل شئ اليكتروني له جانبه الغريب وهذا صحيح في أجهزة مثل التليفونات وكاميرات التصوير والتليفزيون والحواسب الشخصيه ,آلات صرف النقد وأشعه إكس ,اجهزه الرد الآليه على الإتصالات ,الأقراص الممغنطه وغيرها فعندما يستطيع أي شئ غير انساني أن يتكلم ويتحرك ويستجيب للحركه ويجيب على الأسئله ويشير إلينا ويصور أجسادنا ,فإننا نواجه نوعا من المتاهه المعرفيه والحيره ونحن نتعامل مع تلك الأجهزه على نحو منطقي,على الرغم مما تحويه من جوانب عديدة تتجاوز المنطق وربما الخيال..
                                                    الغرابة التشكيليه
في الفصل السادس الغرابه التشكيليه تبدأمع أبعاد الظل العميقه حيث ترتبط في جوهرها بفكرةالآخر,فكرة الخلق للقرين ,هنا أصبح الظل ظاهرة لها قوتها المستقله الخاصة المميزة لها ,لها قوة تتعلق بفكرة الإحيائيه لدى فرويد وقبله فريزر,لقد أصبح ذلك الظل المتراجع الغائب الهامشي الساكن غير الفعال ,حاضرا ومتقدما مركزيا  متحركا ومؤثرا
لقد كانت المضاعفه للذات عنصر أساسيا في الخلق للأثر الخاص بالغرابه.وقد تمسك رانك بالقول أن القرين هو نوع من الضمان والأمان في مواجهة أية عمليات تدمير ممكنه للذات ..
تحدث كذلك عن المدرسه الأنطباعيه التي اهتمت بالإنطباعات الحسيه الخاصه بالفنان  واهتمت كذلك بالعالم الذي يوجد مابين الموضوع وعين الفنان وكان من أقطابها مانيه وبيسارو وفان جوخ,أما الرمزيون فاهتموا بعرض الصور التي يستمدونها من عالم الخيال ,ثم يحاولون الإيحاء للمشاهد بواقعيه هذة العوالم وتماسكها ...هكذا ينظر الرمزيون للداخل بينما ينظر الإنطباعيون الى الخارج
أما السيرياليه فلعل الملمح المميز لها ،هو قدرتها على إثارة الأضطراب ،اي هذه القدره التي تجعلنا نندمج من خلالها في حاله جماليه خاصه قد تكون غريبه ومخيفه لكنها على الرغم من ذلك ،تكون غامضه ومهيمنه علينا على نحو شديد الحيويه 
هكذا تجمد الصور السيرياليه المشاهد لها من خلال "احساس ما بالغرابه"مهيمن عليها وهو احساس يتجاوز توصيفاتنا السياسيه والجماليه والتاريخيه 
تحدث أيضا عن ظهور الوحوش والكائنات الغريبه في الفن منذ فترة طويله وتجلت على نحو خاص في اعمال فنانين امثال بوش وبروجل وجويا وغيرهم ،لكن الغرابه في جوهرها العميق ،الغرابه الموجوده داخل الحياه وليس خارجها ،ربما تكون الأبنه الحقيقيه للقرن العشرين ,وقد ظهرت في اعمال المدرسه الألمانيه ومابعد الانطباعيه ,مدرسه سحر الواقعيه ثم في اعمال المدرسه السيرياليه الفرنسيه وفي اعمال فنانين كثيرين أشار الكاتب اليهم خلال الكتاب
                                                 الغرابه المسرحيه
أيا ما كان الإتجاة المسرحي وصاحبه:ثمه روح شبحيه في المسرح ثمة غياب حاضر وحضور غائب ثمه قوة للتكرار أو لعوده الغائب ,تبلغ الغرابه قمتها في مسرح العبث حيث لا شئ يحدث وحيث اليأس وخواء الكفاح في العالم وحيث التكرار والعود الأبدي لكل شئ وحيث القتل بلا اجر كما لدى أونيسكو ,وحيث الأنتظار بلا طائل من ورائه لدى بيكيت "في انتظار جودو"وحيث لا هدف ولا غايه سوى محاوله استراجون وفيلاديمير بطلا المسرحيه ,اكتشاف بعض المعنى في هذا العالم المشوش الذي يوجدان على حافته حيث الحيرة المعرفيه تصل الى نهايتها القصوى ,ولايكون بديل على الأنتظار بلا طائل ولا جدوى في متاهه التكرار والمرايا المتشابهه وحيث الأصوات الغامضه التي ترد اليهم وتصدر عنهم .ومع ذلك ليس التكرار وحده ولا الأختلاف في حد ذاته قادرين على توليد عنصر الغرابه في فن التمثيل  .ومن ثم فإنه ليس كل تمثيل غريب بالضروره ,حتى ولو كان الغريب في جوهرة يجد هدفه في قلب فن التمثيل ذاته
                                               السينما والرعب والغرابه
يقول بعض منظري السينما أمثال ستيفن شنايدر إن النجاح الملحوظ لأفلام الرعب والتشويق والأثاره الحديثه مثل صمت الحملان مثلا انما يرجع الى واقعيتها الغريبه ,حيث لا يكون العالم المصور في هذه الأفلام متفقا فقط مع الواقع الخاص بالعالم الذي نعيش فيه ومن ثم يعمل على زيادة احتمالات تأثيرات  الغرابه  الخاصه بهذه الأفلام ولكن ايضا ان الوحوش الموجوده في هذه الأفلام تكون على الرغم من شكلها الإنساني ما زالت قادره على ان تستثير لدى الجمهورذلك الصراع المتعلق بالأفكار الضروريه التي عندما ترد الى اذهاننا يستثار بداخلنا كل تلك المشاعر الخاصه بالغرابه ...
                                         فنانون وغرباء 
عبر فان جوخ عن شعوره بغرابه هذا العالم من خلال قيامه بالرسم بقوة وسرعه واصرارة على ان يمسك -فنيا-باللحظات والإنفعالات السريعه الهاربه ومن ثم كانت الوانه المشعه وأصباغه اللونيه المهمشه ثم كان تحوله  التدريجي الى المرض العقلي والأكتئاب وقطع الأذن ثم الأنتحار 
أما وولفلي  فقد فعل العكس لقد بدأبنوبات من الأضطراب والجنون ثم تدريجيا وبالفن وعلى الرغم من اقامته في مستشفى "والدو"لمدة وصلت الى خمسه وثلاثين عاما فإنه أنتج خلالها مئات اللوحات وآلاف الصفحات من الكتابات النثريه والقصص المصورة وغيرها 
وقد جسد "مونش " شعورة بالغرابه من خلال تلك الصرخه العنيفه المدويه التي ترددت أصداؤها في الأفق وجسده"هوبر"من خلال التأمل في حاله الصمت وتجلياته،وجسده كيريكو من خلال تأمله في الظل بدلاله وعلاقاته مع النور وجسده إنسور من خلال ولعه بالتصوير الساخر وفعل ميسرشمت ذلك  في إبداع غير مسبوق وتجسيد للإنفعالات الإنسانيه من خلال النحت.
وفي كل الحالات كانت مقاومه للغرابه والعبث والخواء واللا جدوى ,مقاومه بالفن والتجدد والأمل والخيال...

                                             شيماء أحمد
                                                             نشر في مجلة الثقافه الجديدة