في هذا الكتاب يتتبع يوسف زيدان أهم الأفكار التي شكلت تصور اليهود والمسيحيين والمسلمين لعلاقة الإنسان بالخالق .ومن ثم كيف توجه علم الكلام الإسلامي إلى رؤى لاهوتية يصعب الفصل بين مراحلها..ويتتبع الكتاب تطور الأفكار اللاهوتيه على الصعيدين المسيحي والإسلامي وذلك بغرض إدراك الروابط الخفيه بين المراحل التاريخيه التقليديه المسماة بالتاريخ اليهودي ...وصولا لفهم أشمل لارتباط الدين بالسياسه وبالعنف الذي لم ولن تخلو منه هذه الثقافه الواحده مادامت تعيش في جزر منعزله
يوسف زيدان روائي وباحث متخصص في التراث والمخطوطات قاربت مؤلفاته الستين كتابا وتجاوزت أبحاثه العلميه الثمانين بحثا في الفكر الإسلامي والتصوف والفلسفه وتاريخ العلم ..حصل على الجائزه العالميه للراويه العربيه عن روايه عزازيل...
جذور الإشكال. .الله والأنبياء في التوراه
اليهودية المبكرة جعلت الله تعالى ملتصقا بالأرض لا السماء فهو ينزل إلى الخيمه فيصير قريبا من الإنسان ويشاركه وقائع حياته مع أن الله بداهه ينتمي الى السماء لا الأرض وإلا لما صار معبودا للإنسان
وقدمت الديانه المسيحيه حلا لهذه المشكله بأن أكدت وجود الله مع الإنسان في الأرض لتتوافق بذلك أولا مع اليهوديه ثم رفعته ثانيه الى السماء حيث الموضع الذي يليق به وكان المسيح هو صيغة الخلاص من مشكلة اندماج الله مع الإنسان
والصورة التوارتيه للأباء الأوائل والأنبياء ورجال الله مفزعه فهم في القصص التوراتي على الرغم من أنهم الأخيار المختارون .لا يتورعون عن الأتيان بأفعال مهولة مثل معصيه الخالق (آدم)السكر والزنا بالمحارم(لوط)السرقه ونهب الجيران(موسى)..ناهيك عن تبجح القتله وحمايه الله لهم حسبما ورد في حكايه قايين(قابيل)ولامك.فالأول منهما قتل أخاه هابيل وتبجح حين سأله الله عن أخيه المقتول .ثم أعطاه الله وعدا بأن من يقتله سيقتل الله منه سبعه والآخر ..الذي اسمه في التوراه لامك قتل رجلا فحماه الله وتوعد من يقتله بأن يقتل منه سبعه وسبعين إنسانا في مقابل إنسان يهودي واحد..وقد رفع اليهود المعاصرون هذه النسبه الغير متناسبه فصاروا إذا قتل العرب منهم واحدا يقتلون منهم مائه شخص وأكثر.
الحل المسيحي
يشرح الكاتب دور التعبيرات المجازيه الوارده في الأناجيل الأربعه المقبوله لدى المسيحيين في الجدل والإختلاف اللذين نشبا بين الكنائس:حول جوهر المسيح وحقيقته وحول ماهيته وطبيعته ,وحول بشريته وألوهيته (الناسوت واللاهوت)..ففي البدء إنتشرت أناجيل كثيره صار بعضها مشهورا حينا من الدهر ثم انطمس مثل إنجيل المصريين (ذي النسختين القبطيه واليونانيه)واناجيل الطفوله وإنجيل العذراء وكان بعضها منسوبا الى تلاميذ المسيح ،لكنه كان يثير قلق الكنائس الكبرى،مثل إنجيل توما الذي تم إكتشافه مؤخرا في منتصف القرن العشرين في مصر.والإنجيل الغنوصي المسوب الى يهوذا (الإسخريوطي)الذي خان المسيح وأبلغ عنه أو هو الذي أطاع المسيح الذي أمره بأن يدل الرومان عليه ليقتلوه كي تكتمل الدائره ويعود (الأبن)الى(الآب)ويصعد الرب الى السماء
وكانت هناك أيضا أناجيل كثيره ترسم للمسيح صورة فلسفيه باعتباره وجودا خاصا أو حاله فريده لكائن متأله ..يمكن عن طريق اتباعه الوصول الى الحقائق العليا بالتجرد عن ملذات الحياة والحسيات ..
وكان من المنطقي أن يتنبه رجال الكنيسه الى خطورة الأناجيل الكثيرة المشوشه على قانون الإيمان القويم الأرثوذكسي فتشكلت لجنه دينيه دنيويه مهمتها التفتيش عن وإعدام الأناجيل الكثيره الأخرى وهكذا بقيت الأناجيل الأربعه المشهورة،متى،لوقا،مرقس،يوحنا...وهي الأناجيل التي حفظت وتم تداولها على نطاق واسع مع الرسائل المسماه أعمال الرسل فكان من ذلك ما سوف يعرف بالعهد الجديد تمييزا له،ودلاله على استكماله العهد القديم المشتمل على أسفار التوراه الخمسه وأسفار أنبياء اليهود الكبار والصغار فيكون مجموع ذلك كله ما نعرفه اليوم باسم:الكتاب المقدس....
صار المسيح هو الديانه ذاتها فمن أسمه أشتق أسمها ،ومن مولده يبدأ كتابها (الأنجيل)ومن الإقرار بألوهيته يستهل قانون إيمانها الأول ..وشيئا فشيئا أصبح المسيح معادلا موضوعيا لله ثم غدا مع اجتهادات الآباء الأوائل (الأرثوذكس)هو الله الذي غاب وناب عنه المسيح
ولأن كل ماهو الهي (ثيولوجي)قد أمسى متعلقا بالمسيح أي صار(كريستولوجيا)فإن المشكله الكبرى في اليهوديه (صفات الله)لم تعد مطروحه للنظر وانما صار الإيمان القويم إيمانا بالمسيح الذي هو الله،وصار التشكيك في ألوهيته التامه يعني الكفر بعينه أو بحسب الإصطلاح المسيحي هرطقه...
النبوة والبنوة فهم الديانه شرقا وغربا
يوضح الكاتب بعد ذلك كيف كانت الديانات الغابرة الموسومه بالوثنيه ،التي عاشت آلاف السنين في مصر واليونان تسمح بالتعدديه .ولم تزعم ديانه منها،أنها الديانه الوحيده الحقه وكانت هذه الديانات تجيز التمازج أحيانا بين الربوبيه والبشريه(اللاهوت والناسوت)،أو هي بالأحرى لا ترى بأسا في تأليه الإنسان وتأنيس الآله.
وإذا كانت فلسطين مهد الديانه المسيحيه ،فإن مصر كانت بمثابة المهاد والتمهيد والوهاد لأنتشار هذه الديانه الجديده بناء على الفهم المصري القديم لعالم الآلهه ذي الأبعاد الثلاثيه (ثالوث :إيزيس حورس أوزيريس)وإمكان تمازج البشر بالآلهه (الفرعون ابن الآله)وأن للحياة مفتاحا (عنخ،الصليب)وجواز القيام من الموت وانتظار الحساب والإنجاب دون نكاح حسي(إيزيس تحبل من زوجها الميت)..وغير ذلك من وجوة المماثله بين العقيده المصريه القديمه والفهم المصري القبطي للديانه المسيحيه ..
وقريب مما سبق مانجده في الديانه اليونانيه القديمه التي قصت الإلياذه والأوديسه حكاياتها الملحميه الجامعه بين البشر والآلهه ..
بينما كانت الديانات السابقه على المسيحيه في منطقة الجزيرة العربيه والهلال الخصيب ،تعلي من مرتبه الآلهه وتتصورهم مفارقين تماما لعالم البشر .ومع أن الناس هناك صوروهم أحيانا على هيئه بشريه في (الأوثان)أو هيئه مجرده في (الأصنام)إلا انهم بشكل عام أعتقدوا بوجود مسافه شاسعه بين الله والإنسان
ولأن الفهم الأخير هو القويم فقد صار المخالف له ،هرطوقيا.
لا مناص من الإعتراف بأن الجماعات العربيه والعبريه كانت تعني بالنبوة والأنبياء .لذلك نجد لفظ (نبي،نبو)مشتركا بين اللغتين العربيه والعبريه . يضيف الكاتب أنه في أغلب الظن فكرة النبوة في أساسها عبرانيه الروح والمنشأ.
جدل القرطقة والأرثوذكسية
في مقابل الإيمان المسيحي القويم(الأرثوذكسي)الذي إزدهر عبر التاريخ الكنسي المديد في الأسكندريه ومصر واليونان والحواف المتوسطيه ،شهد قلب الشام الكبير والعراق هرطقات متواليه التوالد يصعب تحديد زمن ظهورها الأول إذ يكاد الإيمان الأرثوذكسي والهرطقه كلاهما يتزامنان دوما ،وهو ماحدث بفعل العمليات الجداليه التي طالما إحتدمت بين الكنائس
كان العراق والجزيرة بلاد الهراطقه الذين نظروا لأنفسهم على أنهم اهل الإيمان الصحيح ،وان مخالفيهم هم الذين ظلوا وهرطقوا حين زعموا أن الله ثالث ثلاثه وأن الله(تعالى)هو المسيح عيسى ابن مريم .اما مصر والحبشه واطراف اليمن فقد بقيت على ايمانها الأرثوذكسي (القبطي)المختلف مع وعن بقيه الأرثوذكس وعند ظهور الإسلام كانت هناك جغرافيا أربع كنائس أرثوذكسيه متنازعه الإعتقاد هي بحسب ترتيبها في هذا الزمان.
كنيسة الروم الأرثوذكس
كنيسه الأرثوذكس الملكانيين
كنيسة الأرثوذكس السريان
كنيسه الأرثوذكس الأقباط.
الحل القرآني
يوضح الكاتب كيف قدم الإسلام نفسه من خلال النص القرآني باعتباره الحق الذي(لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه)وذلك لأنه ببساطه شديده هو اليقين الموحى من رب العالمين لا الإجتهاد الذي أدى إليه فكر المتفكرين وقد قدم القرآن باعتباره لاهوتا عربيا حقيقيا أو التجلي الأخير لهذا اللاهوت حلولا محدده لكل ما كان اليهود والنصارى يختلفون فيه من مشكلات عقائديه.وقد قدم القرآن حلوله بأن أعاد بناء التصورات الأساسيه للألوهيه والنبوه وهو ما ورد في آي القرآن على نحو قصصي آسر في بلاغته.
حين فتحت البلاد المحيطه بجزيرة العرب،حيث ولدت وعاشت المذاهب (الهرطوقية)وحيث ظلت تتوالد المخترعات العقائديه الجديدة ،كالمونوثيلية، انتقل القرآن من محله الأول(اللغه العربيه)مع محله الثاني(المسلمين)إلى المحل الثالث،الذي هو الجماعات الإنسانيه غير العربيه وغير الإسلاميه .سواء من ذوي الثقافه العربيه كالأنباط وأهل الممالك القديمه في الهلال الخصيب أم من ذوي الأصول غير العربيه كالمصريين والفرس واليونان ..ولما استقر الإسلام في منطقة الهلال الخصيب .شهدت هذه المنطقه ذاتها ,تحولات كبرى,امتدت خلالها الأفكار والرؤى فعلى الأرض ذاتها ,وفي أهلها أنفسهم حيث شهدنا نشأة وتطور اللاهوت (العربي)المسيحي ،كانت نشأة وتطور علم الكلام (العربي)الإسلامي..كانت (العربي)الأولى نمط تفكير ،وكانت الثانيه نمط تفكير ولغة أزاحت السريانية واليونانية ،فنطق الهلال الخصيب بالعربيه.
كلام الإسلام الوصلة الشامية العراقية
في القرن الثاني الهجري صار لعلم الكلام اسم مشتق من ان القرآن كلام الله وان المشتغلين بهذا العلم هم المهتمون بمفهوم النص القرآني ،اذا هم المتكلمون في العقيده،بناء على ما ورد في القرآن،المدافعون عن التوحيد واصول العقيده ضد الإنحرافات..
هناك أسباب محدده أدت إلى شهرة فرقتي المعتزله والأشاعرة ،منها اشتهار المذهب وانتشاره وارتباطه بالسياسه وكثرة المشتغلين بالاعتزال والأشعرية،حتى انهم صاروا طبقات أي أجيالا متتاليه من مشاهير المعتزله..
يجب ألا نستغرب تسميه أباء علم الكلام بالمعطله أي منكري الصفات الآلهيه لأن صفات الله كانت تشكل جذور المشكله التي ظهرت اولا مع اليهوديه ،ثم توسعت المذاهب المسيحيه في مناقشتها ،بعد تحويلها إلى اشكاليه كريستولوجيه لا ثيولوجيه. ثم جاء المسلمون العرب ،امتدادا للمسيحيين العرب،الذين كانوا قد سبقوهم في الإنهماك بتفاصيل تلك القضيه.
ومن هذه الزاويه أيضا نفهم الصلة الخفية بين اصرار الهراطقه على نفي المماثله بين الله والكلمه،وتأكيدهم على ان اللوجوس مخلوق,واصرار المتكلمين على نفي صفه الكلام عن الذات الإلهيه،وتأكيدهم ان القرآن مخلوق كان اولئك وهؤلاء،يقررون في واقع الأمر،ان الله(تعالى)هو وحده المتفرد بالقدم،وما سواه حادث ..فالعالم والمخلوقات والإنسان والكلمه والقرآن والمسيح ابن مريم،كلها محدثات ولا متعالي عن الحدوث الا الله.
اللاهوت والملكوت. أطر التدين ودوائره
يوضح الكاتب أن الجوهر في اليهوديه والمسيحيه والإسلام واحد.وان عمق النسق الديني الرسالي(الإبراهيمي)يمتاز بسمات عامه وبنيات نظريه أساسيه:إقرار بألوهية المتعالي،إيمان بأنه تعالى القاهر فوق عبادة،وأن نائبه في الأرض مؤيد منه،فهو لا محاله منصور ..ثم يأتي من بعده الأطر النظريه، أحكام عمليه مثل:حكم بالضلال والكفر على المحيط الاجتماعي العام،انبثاق جماعه ايمانيه تجاهر بعقيدتها المخالفه للعقائد السائده،اضطهاد محدود للجماعه المنبثقه،المحدثه،من جهه المجتمع القديم(مجتمع الكفرة الضالين)إعلاء متوهم للذات (المؤمنه)الواقعه تحت الإضطهاد،الهجرة والفرار والنقله الجغرافيه،بناء مجتمع جديد مستقل على هيئة دوله،تتغذى على ايمانها وكراهيتها للمحيط الاجتماعي الذي انبثقت منه الجماعه المؤمنه.
جدلية العلاقه بين الدين والعنف والسياسه
يبدأ العنف في الدخول كطرف ثالث في جدليه (الدين،السياسه)وهو يبدأ غالبا بمبادرات من الطرف المستقر المهدد النظام السياسي فيقابلها الرعيل الأول من المؤمنين بالدين الجديد باستبسال يدعو للإعجاب.وبازاحه تامه للمطالب الدنيويه (الفانيه)تعلقا بالأبقى الله،الجنه..وهي مواجهه دينيه اوليه للعنف الآتي من جهه النظام السياسي بوسائل مختلفه تعلى خطابه وتعبر عن رسائله المباشرة السطحيه في اليهوديه احتمل اتباع موسى أذى فرعون وكان الخروج وسيلتهم لمقاومه العنف
وفي المسيحيه التي هي خروج عن اليهوديه يرتضي السيد المسيح بأن يدع ما لقيصر لقيصر ومالله لله بل ويستسلم فيصلب بحسب العقيده المسيحيه ..أو يرتفع للسماء حسب العقيدة الإسلاميه.
وفي الإسلام يحتمل المسلمين الأوائل تعذيب الكفار ثم الخروج المتمثل في التجاء النبي إلى الطائف والهجرة المبكرة للمسلمين الى الحبشه ثم الهجرة النبويه الى المدينه
وبعد إقتناع السلطه الزائف أن الدين هرب من المواجهه بينما يتنامى حجم الدين في الأرض التي تم الخروج اليها وينتظم شأنه انتظاما داخليا على نحو جديد ومختلف عن النظام السياسي القائم في مركز الجماعه وبعد حين يعود الدين قويا ليقتلع اتباعه بحزم تلك السلطه السياسيه القديمه التي كانت جذورها من قبل قد بدت مستقره
وفي النهايه يوضح الكاتب أنه لا يمكن للعالم أن يواجه عمليات العنف الديني إلا بتعاون دائم ومستمر بين دول العالم لأن طرفا دوليا واحدا ،لن يمكنه بأي حال التعامل الرشيد مع ظاهرة عابره للحدود وخارجه عن تراثه وبنيته الإجتماعيه وحدود فهمه،ظاهرة متعددة الأوجه والمداخل والفعاليات ،ظاهرة يقتضي حلها الكثير من الفهم والأستبصار والضبط المتوازن.
شيماء أحمد
نشر في مجلة الثقافه الجديدة
يوسف زيدان روائي وباحث متخصص في التراث والمخطوطات قاربت مؤلفاته الستين كتابا وتجاوزت أبحاثه العلميه الثمانين بحثا في الفكر الإسلامي والتصوف والفلسفه وتاريخ العلم ..حصل على الجائزه العالميه للراويه العربيه عن روايه عزازيل...
جذور الإشكال. .الله والأنبياء في التوراه
اليهودية المبكرة جعلت الله تعالى ملتصقا بالأرض لا السماء فهو ينزل إلى الخيمه فيصير قريبا من الإنسان ويشاركه وقائع حياته مع أن الله بداهه ينتمي الى السماء لا الأرض وإلا لما صار معبودا للإنسان
وقدمت الديانه المسيحيه حلا لهذه المشكله بأن أكدت وجود الله مع الإنسان في الأرض لتتوافق بذلك أولا مع اليهوديه ثم رفعته ثانيه الى السماء حيث الموضع الذي يليق به وكان المسيح هو صيغة الخلاص من مشكلة اندماج الله مع الإنسان
والصورة التوارتيه للأباء الأوائل والأنبياء ورجال الله مفزعه فهم في القصص التوراتي على الرغم من أنهم الأخيار المختارون .لا يتورعون عن الأتيان بأفعال مهولة مثل معصيه الخالق (آدم)السكر والزنا بالمحارم(لوط)السرقه ونهب الجيران(موسى)..ناهيك عن تبجح القتله وحمايه الله لهم حسبما ورد في حكايه قايين(قابيل)ولامك.فالأول منهما قتل أخاه هابيل وتبجح حين سأله الله عن أخيه المقتول .ثم أعطاه الله وعدا بأن من يقتله سيقتل الله منه سبعه والآخر ..الذي اسمه في التوراه لامك قتل رجلا فحماه الله وتوعد من يقتله بأن يقتل منه سبعه وسبعين إنسانا في مقابل إنسان يهودي واحد..وقد رفع اليهود المعاصرون هذه النسبه الغير متناسبه فصاروا إذا قتل العرب منهم واحدا يقتلون منهم مائه شخص وأكثر.
الحل المسيحي
يشرح الكاتب دور التعبيرات المجازيه الوارده في الأناجيل الأربعه المقبوله لدى المسيحيين في الجدل والإختلاف اللذين نشبا بين الكنائس:حول جوهر المسيح وحقيقته وحول ماهيته وطبيعته ,وحول بشريته وألوهيته (الناسوت واللاهوت)..ففي البدء إنتشرت أناجيل كثيره صار بعضها مشهورا حينا من الدهر ثم انطمس مثل إنجيل المصريين (ذي النسختين القبطيه واليونانيه)واناجيل الطفوله وإنجيل العذراء وكان بعضها منسوبا الى تلاميذ المسيح ،لكنه كان يثير قلق الكنائس الكبرى،مثل إنجيل توما الذي تم إكتشافه مؤخرا في منتصف القرن العشرين في مصر.والإنجيل الغنوصي المسوب الى يهوذا (الإسخريوطي)الذي خان المسيح وأبلغ عنه أو هو الذي أطاع المسيح الذي أمره بأن يدل الرومان عليه ليقتلوه كي تكتمل الدائره ويعود (الأبن)الى(الآب)ويصعد الرب الى السماء
وكانت هناك أيضا أناجيل كثيره ترسم للمسيح صورة فلسفيه باعتباره وجودا خاصا أو حاله فريده لكائن متأله ..يمكن عن طريق اتباعه الوصول الى الحقائق العليا بالتجرد عن ملذات الحياة والحسيات ..
وكان من المنطقي أن يتنبه رجال الكنيسه الى خطورة الأناجيل الكثيرة المشوشه على قانون الإيمان القويم الأرثوذكسي فتشكلت لجنه دينيه دنيويه مهمتها التفتيش عن وإعدام الأناجيل الكثيره الأخرى وهكذا بقيت الأناجيل الأربعه المشهورة،متى،لوقا،مرقس،يوحنا...وهي الأناجيل التي حفظت وتم تداولها على نطاق واسع مع الرسائل المسماه أعمال الرسل فكان من ذلك ما سوف يعرف بالعهد الجديد تمييزا له،ودلاله على استكماله العهد القديم المشتمل على أسفار التوراه الخمسه وأسفار أنبياء اليهود الكبار والصغار فيكون مجموع ذلك كله ما نعرفه اليوم باسم:الكتاب المقدس....
صار المسيح هو الديانه ذاتها فمن أسمه أشتق أسمها ،ومن مولده يبدأ كتابها (الأنجيل)ومن الإقرار بألوهيته يستهل قانون إيمانها الأول ..وشيئا فشيئا أصبح المسيح معادلا موضوعيا لله ثم غدا مع اجتهادات الآباء الأوائل (الأرثوذكس)هو الله الذي غاب وناب عنه المسيح
ولأن كل ماهو الهي (ثيولوجي)قد أمسى متعلقا بالمسيح أي صار(كريستولوجيا)فإن المشكله الكبرى في اليهوديه (صفات الله)لم تعد مطروحه للنظر وانما صار الإيمان القويم إيمانا بالمسيح الذي هو الله،وصار التشكيك في ألوهيته التامه يعني الكفر بعينه أو بحسب الإصطلاح المسيحي هرطقه...
النبوة والبنوة فهم الديانه شرقا وغربا
يوضح الكاتب بعد ذلك كيف كانت الديانات الغابرة الموسومه بالوثنيه ،التي عاشت آلاف السنين في مصر واليونان تسمح بالتعدديه .ولم تزعم ديانه منها،أنها الديانه الوحيده الحقه وكانت هذه الديانات تجيز التمازج أحيانا بين الربوبيه والبشريه(اللاهوت والناسوت)،أو هي بالأحرى لا ترى بأسا في تأليه الإنسان وتأنيس الآله.
وإذا كانت فلسطين مهد الديانه المسيحيه ،فإن مصر كانت بمثابة المهاد والتمهيد والوهاد لأنتشار هذه الديانه الجديده بناء على الفهم المصري القديم لعالم الآلهه ذي الأبعاد الثلاثيه (ثالوث :إيزيس حورس أوزيريس)وإمكان تمازج البشر بالآلهه (الفرعون ابن الآله)وأن للحياة مفتاحا (عنخ،الصليب)وجواز القيام من الموت وانتظار الحساب والإنجاب دون نكاح حسي(إيزيس تحبل من زوجها الميت)..وغير ذلك من وجوة المماثله بين العقيده المصريه القديمه والفهم المصري القبطي للديانه المسيحيه ..
وقريب مما سبق مانجده في الديانه اليونانيه القديمه التي قصت الإلياذه والأوديسه حكاياتها الملحميه الجامعه بين البشر والآلهه ..
بينما كانت الديانات السابقه على المسيحيه في منطقة الجزيرة العربيه والهلال الخصيب ،تعلي من مرتبه الآلهه وتتصورهم مفارقين تماما لعالم البشر .ومع أن الناس هناك صوروهم أحيانا على هيئه بشريه في (الأوثان)أو هيئه مجرده في (الأصنام)إلا انهم بشكل عام أعتقدوا بوجود مسافه شاسعه بين الله والإنسان
ولأن الفهم الأخير هو القويم فقد صار المخالف له ،هرطوقيا.
لا مناص من الإعتراف بأن الجماعات العربيه والعبريه كانت تعني بالنبوة والأنبياء .لذلك نجد لفظ (نبي،نبو)مشتركا بين اللغتين العربيه والعبريه . يضيف الكاتب أنه في أغلب الظن فكرة النبوة في أساسها عبرانيه الروح والمنشأ.
جدل القرطقة والأرثوذكسية
في مقابل الإيمان المسيحي القويم(الأرثوذكسي)الذي إزدهر عبر التاريخ الكنسي المديد في الأسكندريه ومصر واليونان والحواف المتوسطيه ،شهد قلب الشام الكبير والعراق هرطقات متواليه التوالد يصعب تحديد زمن ظهورها الأول إذ يكاد الإيمان الأرثوذكسي والهرطقه كلاهما يتزامنان دوما ،وهو ماحدث بفعل العمليات الجداليه التي طالما إحتدمت بين الكنائس
كان العراق والجزيرة بلاد الهراطقه الذين نظروا لأنفسهم على أنهم اهل الإيمان الصحيح ،وان مخالفيهم هم الذين ظلوا وهرطقوا حين زعموا أن الله ثالث ثلاثه وأن الله(تعالى)هو المسيح عيسى ابن مريم .اما مصر والحبشه واطراف اليمن فقد بقيت على ايمانها الأرثوذكسي (القبطي)المختلف مع وعن بقيه الأرثوذكس وعند ظهور الإسلام كانت هناك جغرافيا أربع كنائس أرثوذكسيه متنازعه الإعتقاد هي بحسب ترتيبها في هذا الزمان.
كنيسة الروم الأرثوذكس
كنيسه الأرثوذكس الملكانيين
كنيسة الأرثوذكس السريان
كنيسه الأرثوذكس الأقباط.
الحل القرآني
يوضح الكاتب كيف قدم الإسلام نفسه من خلال النص القرآني باعتباره الحق الذي(لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه)وذلك لأنه ببساطه شديده هو اليقين الموحى من رب العالمين لا الإجتهاد الذي أدى إليه فكر المتفكرين وقد قدم القرآن باعتباره لاهوتا عربيا حقيقيا أو التجلي الأخير لهذا اللاهوت حلولا محدده لكل ما كان اليهود والنصارى يختلفون فيه من مشكلات عقائديه.وقد قدم القرآن حلوله بأن أعاد بناء التصورات الأساسيه للألوهيه والنبوه وهو ما ورد في آي القرآن على نحو قصصي آسر في بلاغته.
حين فتحت البلاد المحيطه بجزيرة العرب،حيث ولدت وعاشت المذاهب (الهرطوقية)وحيث ظلت تتوالد المخترعات العقائديه الجديدة ،كالمونوثيلية، انتقل القرآن من محله الأول(اللغه العربيه)مع محله الثاني(المسلمين)إلى المحل الثالث،الذي هو الجماعات الإنسانيه غير العربيه وغير الإسلاميه .سواء من ذوي الثقافه العربيه كالأنباط وأهل الممالك القديمه في الهلال الخصيب أم من ذوي الأصول غير العربيه كالمصريين والفرس واليونان ..ولما استقر الإسلام في منطقة الهلال الخصيب .شهدت هذه المنطقه ذاتها ,تحولات كبرى,امتدت خلالها الأفكار والرؤى فعلى الأرض ذاتها ,وفي أهلها أنفسهم حيث شهدنا نشأة وتطور اللاهوت (العربي)المسيحي ،كانت نشأة وتطور علم الكلام (العربي)الإسلامي..كانت (العربي)الأولى نمط تفكير ،وكانت الثانيه نمط تفكير ولغة أزاحت السريانية واليونانية ،فنطق الهلال الخصيب بالعربيه.
كلام الإسلام الوصلة الشامية العراقية
في القرن الثاني الهجري صار لعلم الكلام اسم مشتق من ان القرآن كلام الله وان المشتغلين بهذا العلم هم المهتمون بمفهوم النص القرآني ،اذا هم المتكلمون في العقيده،بناء على ما ورد في القرآن،المدافعون عن التوحيد واصول العقيده ضد الإنحرافات..
هناك أسباب محدده أدت إلى شهرة فرقتي المعتزله والأشاعرة ،منها اشتهار المذهب وانتشاره وارتباطه بالسياسه وكثرة المشتغلين بالاعتزال والأشعرية،حتى انهم صاروا طبقات أي أجيالا متتاليه من مشاهير المعتزله..
يجب ألا نستغرب تسميه أباء علم الكلام بالمعطله أي منكري الصفات الآلهيه لأن صفات الله كانت تشكل جذور المشكله التي ظهرت اولا مع اليهوديه ،ثم توسعت المذاهب المسيحيه في مناقشتها ،بعد تحويلها إلى اشكاليه كريستولوجيه لا ثيولوجيه. ثم جاء المسلمون العرب ،امتدادا للمسيحيين العرب،الذين كانوا قد سبقوهم في الإنهماك بتفاصيل تلك القضيه.
ومن هذه الزاويه أيضا نفهم الصلة الخفية بين اصرار الهراطقه على نفي المماثله بين الله والكلمه،وتأكيدهم على ان اللوجوس مخلوق,واصرار المتكلمين على نفي صفه الكلام عن الذات الإلهيه،وتأكيدهم ان القرآن مخلوق كان اولئك وهؤلاء،يقررون في واقع الأمر،ان الله(تعالى)هو وحده المتفرد بالقدم،وما سواه حادث ..فالعالم والمخلوقات والإنسان والكلمه والقرآن والمسيح ابن مريم،كلها محدثات ولا متعالي عن الحدوث الا الله.
اللاهوت والملكوت. أطر التدين ودوائره
يوضح الكاتب أن الجوهر في اليهوديه والمسيحيه والإسلام واحد.وان عمق النسق الديني الرسالي(الإبراهيمي)يمتاز بسمات عامه وبنيات نظريه أساسيه:إقرار بألوهية المتعالي،إيمان بأنه تعالى القاهر فوق عبادة،وأن نائبه في الأرض مؤيد منه،فهو لا محاله منصور ..ثم يأتي من بعده الأطر النظريه، أحكام عمليه مثل:حكم بالضلال والكفر على المحيط الاجتماعي العام،انبثاق جماعه ايمانيه تجاهر بعقيدتها المخالفه للعقائد السائده،اضطهاد محدود للجماعه المنبثقه،المحدثه،من جهه المجتمع القديم(مجتمع الكفرة الضالين)إعلاء متوهم للذات (المؤمنه)الواقعه تحت الإضطهاد،الهجرة والفرار والنقله الجغرافيه،بناء مجتمع جديد مستقل على هيئة دوله،تتغذى على ايمانها وكراهيتها للمحيط الاجتماعي الذي انبثقت منه الجماعه المؤمنه.
جدلية العلاقه بين الدين والعنف والسياسه
يبدأ العنف في الدخول كطرف ثالث في جدليه (الدين،السياسه)وهو يبدأ غالبا بمبادرات من الطرف المستقر المهدد النظام السياسي فيقابلها الرعيل الأول من المؤمنين بالدين الجديد باستبسال يدعو للإعجاب.وبازاحه تامه للمطالب الدنيويه (الفانيه)تعلقا بالأبقى الله،الجنه..وهي مواجهه دينيه اوليه للعنف الآتي من جهه النظام السياسي بوسائل مختلفه تعلى خطابه وتعبر عن رسائله المباشرة السطحيه في اليهوديه احتمل اتباع موسى أذى فرعون وكان الخروج وسيلتهم لمقاومه العنف
وفي المسيحيه التي هي خروج عن اليهوديه يرتضي السيد المسيح بأن يدع ما لقيصر لقيصر ومالله لله بل ويستسلم فيصلب بحسب العقيده المسيحيه ..أو يرتفع للسماء حسب العقيدة الإسلاميه.
وفي الإسلام يحتمل المسلمين الأوائل تعذيب الكفار ثم الخروج المتمثل في التجاء النبي إلى الطائف والهجرة المبكرة للمسلمين الى الحبشه ثم الهجرة النبويه الى المدينه
وبعد إقتناع السلطه الزائف أن الدين هرب من المواجهه بينما يتنامى حجم الدين في الأرض التي تم الخروج اليها وينتظم شأنه انتظاما داخليا على نحو جديد ومختلف عن النظام السياسي القائم في مركز الجماعه وبعد حين يعود الدين قويا ليقتلع اتباعه بحزم تلك السلطه السياسيه القديمه التي كانت جذورها من قبل قد بدت مستقره
وفي النهايه يوضح الكاتب أنه لا يمكن للعالم أن يواجه عمليات العنف الديني إلا بتعاون دائم ومستمر بين دول العالم لأن طرفا دوليا واحدا ،لن يمكنه بأي حال التعامل الرشيد مع ظاهرة عابره للحدود وخارجه عن تراثه وبنيته الإجتماعيه وحدود فهمه،ظاهرة متعددة الأوجه والمداخل والفعاليات ،ظاهرة يقتضي حلها الكثير من الفهم والأستبصار والضبط المتوازن.
شيماء أحمد
نشر في مجلة الثقافه الجديدة